تشهد المملكة العربية السعودية تحولًا اقتصاديًا وسياحيًا واسع النطاق، تقوده رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل، وتعزيز مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي. أحد أبرز المؤشرات على هذا التحول يتمثل في النمو الكبير في سجلات الشاليهات وحجوزات الضيافة، والذي سُجل خلال الربع الثاني من عام 2025، بحسب تقرير حديث صادر عن وزارة التجارة السعودية.
في هذا المقال، نسلط الضوء على تفاصيل هذا النمو، وتوزيع السجلات حسب المناطق، والدلالات الاقتصادية والاجتماعية التي تعكسها هذه الطفرة، وما تعنيه للمستثمرين والمستهلكين على حد سواء.
نمو غير مسبوق في سجلات بيوت العطلات (الشاليهات)
كشفت وزارة التجارة عن تسجيل نمو بنسبة 42% في عدد السجلات التجارية القائمة في قطاع بيوت العطلات (الشاليهات) مع نهاية الربع الثاني من عام 2025، مقارنة بنفس الفترة من عام 2024.
فقد ارتفع عدد السجلات من 6063 سجلًا في الربع الثاني من العام الماضي، إلى 8617 سجلًا خلال نفس الفترة من العام الجاري. ويُعد هذا الارتفاع إشارة مباشرة إلى الإقبال المتزايد من المستثمرين على قطاع الشاليهات، الذي بات يمثل أحد أعمدة السياحة المحلية، ووجهة مفضلة للعائلات والمجموعات الباحثة عن الخصوصية والتجربة الراقية بعيدًا عن الفنادق التقليدية.
ولا يخفى أن هذا النمو جاء مدعومًا بعدة عوامل، أهمها:
- تحسن البنية التحتية السياحية.
- زيادة الطلب المحلي على السياحة الداخلية.
- تشجيع الحكومة للاستثمارات الصغيرة والمتوسطة في القطاع السياحي.
- ارتفاع الوعي المجتمعي بجودة الخدمات الفندقية البديلة مثل الشاليهات.
الرياض ومكة في الصدارة – خريطة توزيع سجلات الشاليهات
عند النظر في توزيع هذه السجلات التجارية حسب المناطق، تتصدر مدينة الرياض القائمة، بعدد 3216 سجلًا، تليها منطقة مكة المكرمة بـ3047 سجلًا.
هذا التوزيع يعكس حجم الطلب في هاتين المنطقتين اللتين تشكلان مركزين رئيسيين للحركة السكانية والسياحية في المملكة.
أما بقية المناطق فجاء الترتيب على النحو التالي:
- المنطقة الشرقية: 721 سجلًا.
- المدينة المنورة: 515 سجلًا.
- منطقة عسير: 341 سجلًا.
ويُلاحظ أن المناطق الساحلية والجبلية التي تتمتع بطبيعة خلابة مثل عسير والمدينة تحظى باهتمام متزايد من المستثمرين في قطاع الشاليهات وبيوت العطلات، وهو ما قد يقود في السنوات المقبلة إلى إعادة توزيع أكثر توازنًا للسجلات على مستوى المملكة.
قطاع حجز وحدات الضيافة يحقق نموًا بنسبة 32%
لم يتوقف النمو عند الشاليهات فقط، بل امتد أيضًا إلى قطاع حجز وحدات الضيافة، والذي يشمل منصات الحجز الإلكتروني، والخدمات المساندة مثل التسويق والتشغيل.
وبحسب نشرة قطاع الأعمال الصادرة عن وزارة التجارة، فإن عدد السجلات التجارية القائمة في قطاع حجز وحدات الضيافة بلغ 5099 سجلًا بنهاية الربع الثاني من عام 2025، مقارنة بـ3850 سجلًا خلال نفس الفترة من عام 2024، مما يمثل نموًا بنسبة 32%.
هذا النمو يدل على:
- الاعتماد المتزايد على الحلول الرقمية في قطاع السياحة.
- توسع ثقافة الحجز المسبق عبر الإنترنت.
- ارتفاع الطلب على التجربة المخصصة والخدمات الشخصية في السكن السياحي.
مكة المكرمة وريادة واضحة في حجوزات الضيافة
فيما يتعلق بتوزيع سجلات حجز وحدات الضيافة، جاءت مكة المكرمة في المرتبة الأولى بعدد 2027 سجلًا، تليها العاصمة الرياض بـ1939 سجلًا.
أما بقية التوزيع فكان على النحو التالي:
- المدينة المنورة: 410 سجلات.
- المنطقة الشرقية: 374 سجلًا.
- منطقة القصيم: 81 سجلًا.
وتعكس هذه الأرقام النمو الطبيعي في المدن التي تشهد أكبر حركة زوار، خصوصًا مع الموسم الديني النشط الذي تعيشه مدينتا مكة والمدينة، إضافة إلى الحراك السياحي والترفيهي في الرياض والمنطقة الشرقية.
الأسباب وراء هذا النمو السريع
تعددت الأسباب التي أدت إلى هذه القفزة النوعية في سجلات الشاليهات ووحدات الضيافة، ومن أبرزها:
1. توجه الدولة نحو دعم المشاريع السياحية
تحظى المشاريع السياحية بدعم مباشر من القيادة السعودية، وذلك من خلال مبادرات مثل "الاستراتيجية الوطنية للسياحة"، وتسهيل الحصول على التراخيص، وتوفير البنية التحتية اللازمة للاستثمار.
2. التأثير الإيجابي للمواسم والفعاليات
مع تنامي فعاليات هيئة الترفيه، وعودة موسم الرياض، وزيادة عدد المناسبات والمعارض، ازداد الطلب على الشاليهات ووحدات الضيافة، وارتفعت أسعار الإيجارات، مما شجع على دخول مستثمرين جدد.
3. النضج التكنولوجي وثقافة الحجز الذكي
شهدت منصات الحجز مثل Booking وAirbnb، بالإضافة إلى المنصات المحلية، انتشارًا واسعًا، ما سهل عمليات الحجز وأعطى دفعة قوية لتوسّع القطاع. كما أصبح المستهلكون أكثر وعيًا بآلية التقييمات وتصفية الخيارات حسب التفضيلات.
4. السياحة الداخلية واستكشاف المدن
ساهمت حملات هيئة السياحة "صيف السعودية"، و"شتاء السعودية"، في دفع السعوديين لاكتشاف مدنهم ومناطقهم، مما عزز من إشغال الشاليهات والمنتجعات في فترات العطل والمواسم.
ماذا تعني هذه الأرقام للمستثمرين؟
إن هذه الأرقام لا تمثل مجرد نمو مؤقت، بل تُعد فرصة ذهبية للمستثمرين في قطاع السياحة والسكن البديل. فالطلب المتزايد، وتطور الذوق العام، وانتقال العملاء من الفنادق التقليدية إلى تجارب الإقامة الفريدة، كلها عوامل مشجعة على دخول هذا السوق.
بالإضافة إلى ذلك، تزداد أهمية توفير تجارب إقامة متكاملة تتضمن الخصوصية، التصميم الفاخر، والخدمات الذكية مثل الدخول الذاتي وخدمة العملاء عن بُعد، وهي خصائص تميز الشاليهات الحديثة.
تحديات يجب الانتباه لها
ورغم هذا النمو الكبير، إلا أن هناك مجموعة من التحديات التي تواجه المستثمرين الجدد:
- المنافسة الحادة في المناطق الكبرى.
- ارتفاع تكاليف التشغيل والصيانة مع الطلب على مستوى عالٍ من الجودة.
- الاحتياج إلى الامتثال التنظيمي الصارم خاصة فيما يتعلق بالسلامة والتراخيص.
وهنا يأتي دور الجهات الحكومية في توفير الأدلة الإرشادية والمواصفات الفنية والتسهيلات، لجعل الاستثمار في هذا القطاع أكثر جاذبية وأمانًا.
خلاصة القول
إن نمو سجلات الشاليهات وحجز الضيافة في السعودية بنسبة كبيرة خلال الربع الثاني من عام 2025، ليس مجرد إحصائية عابرة، بل هو جزء من قصة تحول شاملة تقودها المملكة نحو اقتصاد أكثر تنوعًا وحيوية.
وإذا استمر هذا الزخم في الأعوام القادمة، فمن المتوقع أن تحتل السعودية مكانة مرموقة على خريطة السياحة الإقليمية والدولية، بفضل بنيتها التحتية المتطورة، وتحولها الرقمي، وإصرارها على توفير بيئة ضيافة راقية ومتكاملة.